بقلم /الكاتب الناقد أياد النصيري



واقع رمضان مكابدات سمرا عنجريني
في السرد والواقعية ,والقيم الجمالية
أياد النصيري 2020
********************

تعكس خواطر (واقع رمضان ) للكاتبة العربية السورية (سمرا عنجريني )وهي بالأحرى أجدها (مكابدات) بهذا التوجه الذي اتخذته الممارسة الكتابية منذ انطلاقها بنزوع تفاعلي مفكر فيه مع خلفية ثقافية شديدة التوهج والتدليل ففيها تحتشد اجراءات سردية واسلوبية متنوعة وأحداث ووقائع وممارسات وانفتاح على واقع مرومزري وصور من الحياة اليومية التي يعيشها الفرد في حياته اليومية- أن نصا يكتنز بهذه الصيغ السردية ويحتضن الفكر كما يجتهد في الانفتاح على الأمكانات الثقافية التي تغذي التخييل وتقدح زناده لزم بالتريث في ايقاع المصاحبة النقدية كما يدعو لأستنفار كل المداخل الممكنة لأقتفاء اثر الدلالات التي تومىءاليها الكاتبة
لابد من أسئلة نطرحها قبل محاصرة أوراقها (واقع رمضان) ومحاولة الإيغال في عروقها لكشف ما يمكن من أسرارها المضيئةعندما ترى الكاتبة تسحق أحلامها وتتبدد آمالها وتشعر بأنها غريبة وطن في وطن غريب فهل سيكفيها آنذاك أن تكتب له خواطرها الذاتية والروحية وتغني له الأغاني وتعيش وحدها ذكرياتها فنعود حينئذ لذات التساؤل لماذا هكذا دمروا الوطن العربي ؟بكل أشكالاته النفسية والمعيشية وحتى أحلامه البعيدة ولماذا قتلو الأنسان حتى في غربته؟
في واقع رمضان وجدت لذة الحرف الجميل كما في كتابات الدكتورة أسمهان بدير واستذواقها لنص شعري وحياة قالوش التي تتفاعل مع الفيزياء جانبا والتوغل في لغة الأدب والشعر ونضال الدليمي ووجع روحها مابين الأمل المنتظر وانشغالتها اليومية في زحمة افكارها وليلى شريف الضائعة مابين الجبل والمدينة ومريم خضراوي التي تنشر كل ماهو يروق لها من كتابات ذات رؤية شفافة وحضورها الثقافي وخواطر ازدهار الصعوب مابين رسم اللوحات الشعبية ومابين الحرف الجميل وبعض من أحلام ملاك السامرائي التي تواصل عملها مابين منتدى الحب ومابين ماهو مرسوم في خيالاتها الكثيرةومنى الواصل التي اقرأ لها بعض من نصوصها الجديدة والزهراء صعيدي التي تكتب التفعيلة والغارقة برسم قصائدها على شكل مجسمات وماجدة أبو شاهين الغارقة باللغة حد الأدهاش
وعلى هذا الاساس اذا كانت الاعمال  الفنية بتنوع اجناسها واشكالها الكتابية تقترح على قرائها عالما مخصوصا بفضاءاته وازمنته وعاداته وقيمه عالما  سرعان مايحتك القارىء بأسئلته وانشغالاته وهو يرتاد افاق السرديات الحادثة فيه فان العالم الذي يجود به السارد في هذه الخواطر لايغرينا بالتموضع ازاءه داخليا وحسب وانما يحرضنا على توليد الاسئلة من خارجه
(من أين  لسمرا  عنجريني القدرة على وصف جمال العصافير الغارقة في الدخان واللهب؟ وهل يمكن لكاتبةأن تشعر بعذوبة النهر، والماء دم؟ هل بمقدورها أن تبتهل في حضرة  الحب والقلب زجاج مكسور متناثر في الطرقات الكئيبة؟)
لكأن الخواطر  تلك بحق حياة تاخذ  وجودا مضاعفا عبر التخييل وهذه الخاصية تكتسب حضورها ومنطقها في الكتابة(عند (سمرا عنجريني) بحكم ما تتميز به من زاد ثقافي وفكري وجمالي متنوع يمنح خواطرها اشكالا وبناءات تصويرية شديدة الخصوصية  ولأن هذه الخواطر  الرمضانية الجديدة  هي بالمحصلة لها تجربة لدى الكاتبة سمرا عنجريني تعتبر حصيلة تجارب لغوية وفكرية ومراكمة ثقافيةفأن التخييل يغدو فيها محضنا للفكر والمعرفة والسؤال الذي  يضع الخواطر في قلب الراهن الغريب والمتلبس والمطبوع باحتكارات الأنساق المغلقة والشمولية للحقيقة ولاشكال ممارستها
وبما أن الخواطر رغم كونها ممارسة تخييلية فانها ليست معفاة من مسؤولية تقديم عالم كما  لو أنه حادث بالفعل وهي تنجز ذلك من خلال البطل بما انه يعيش ويفكر ويتكلم اي باعتباره ذاتا
واذا كان لأفعال التذكر من دلالة فهي  التاسيس لمقومات الحكي السير ذاتي لانها  تقوم دليلا على أن زمن الحكايات والسرديات هو زمن مستعاد او  مسترجع حادث في العالم قبل حدوثه في  النص فالذاكرة هي خزان الماضي الذي تنتقل منه الاحداث  الى  الخطاب لتثبت فيه نهائيا بواسطة اللغة
أن هذه  الخواطر الذاتية التي  تكتبها (سمرا عنجريني) هي نصوص عميقة موصولة بالتجربة الأنسانية تبدء من  ((عباد المال  اولا ثم نبؤءة -زمن السبات- بلا أجنحة- شبابيك- رغيف خبز- وسادة الصبر- كما الشلال- الطف يا لطيف- من؟- الحقيقة تصرخ- مظلات- بيادق- كتاب الأنوثة فوق  الأنقاض وأخيرا  سأخبر الله-))--- سأخبر الله  التي  من شأنها أن تخبرنا  عن الأنسان بحق كيف  هو  الآن أن  يعيش  ويفكر  ((في زمن لاحول ولا قوة إلا بالله ، ثمة أفق ضاق علينا في كل أوطاننا العربية باسم نعال اللصوص اصحاب الرؤوس المافياوية "
هلل يامواطن لأصحاب الطلعة البهية ، الدولار ابتلعنا ، تركنا أجداثاً بلا روح ، كائنات فقدت تفاصيلها تترقب مستقبلاً غامضاً تحت راية " قم ودافع..!!!"
في أوطاننا أصدقائي تلهب رقابنا الصفعات ، تجلد ظهورنا سياط الغباء ، الموؤدة خرجت من لحدها مخضبة بالدماء تصرخ في الضمير البشري " و...امعتصماه"))   يتطلب هذا قراءة تنظر للسرد باعتباره شكلا لغويا منتجا للمعرفة  وتبوئه المكانة التي يستحقها فيتمثيل مالا تستطيع اللغة العادية التعبير عنه وهذا الأفق الذي يرسى فهما  للسرد على أساس خاصيته النصية وبعيدا عن جدل التماثل بين الواقعي والأحتمالي هو الذي يجعلنابازاء هذه  الخواطر أمام تأويلات متعددة وليس أحداثا أو وقائع
---يلعب  السياق الواقعي دورا مهما هنا في  ثنايا  تلك   المكابدات  من حيث بلورة صيغة هذه  الحكايات داخل كتابات واقع رمضان وأخضاع واقعية مايدور داخل الحدث من ممارسات وتفاعلات تؤدي الى أحداث نوع من التأثير الصادم في طريقة التلقي عند القارىء الذي يجد نفسه مدفوعا لمتابعة مايحدث ويجري داخل محتوى هذه الكتابات التي تنشرها  الكاتبة   (سمرا  عنجريني) باحثة  لنفسها في نفس الوقت عن تأويل الدلالات المتوائمة مع طبيعتها الخاصة -خاصة اذا كانت هذه  الاوراق  والمكابدات والخواطر تستهدف الأنسان -حياته- وتأريخة الأجتماعي وما يحدث له في مجتمع شبه مغلق  مأزوم تحكمة امور أجتماعيةونفوذ وسطوة وقوة لاتميز مابين  السلبي  من جهة والأيجابي من جهة آخرى ولعل  ماتفعله ذاكرة  هذ ا الواقع وسطوته استدعاءات واضاءات تتمحور حول  الواقع الذي تعيشه الشخصية المركزية المبني  عليها  هذه  الخواطر باكملها وماقد يحدث  لها من تنام وتداخل في واقعها الخاص
حيث   يتم التعبير  عن ذلك بلغة سوداوية قاتمة وبتقنيات سردية متنوعة تعتمد التوثيق والوصف والتصوير والسخرية بغاية تصوير مايتعرض له الفرد العربي من انواع المعاناة وشظف العيش أمام  الضغط النفسي والجسدي الذي يمارسه المكان على الأنسان في كتابات هذه الاوراق وفي واقعها وأمام قساوة الفقر وشدة البؤس وأنسداد الأفاق وهي ايضا الثيمة التي تشغل  الفضاء الحكائي والدلالي  في  اغلب  الخواطر في  رصدها لموضاعات مهمة في الحياة كالبطالة والهجرة السرية والتي  تدفع بالاشخاص للهروب من حالات الضياع والعجز والقهر والتهميش والخيبة ومن فقر المكان وقفره ومن قساوة الطبيعة نحو البحث عن كينونة جديدة وأوهام وأحلام مؤجلة لتنتهي رحلة العذاب  التي  عاشت  اجوائها  الكاتبة في بعض منها ويتم التعبير عن ذلك كله  في هذه الاوراق المتناثرة باسلوب  يتداخل   فيه ماهو واقعي بما هو حلمي وبما هو ساخر ومفارق بغاية  نقد الواقع والسخرية من الحياة ومن عبثيتها
في أوطاننا أسوق سوداء للغاز وللكهرباء وحتى لرغيف الخبز واستجداء الأطفال ، التعامل بالربا ذكاء ، والصدقات خسارة ، ملح البحر يصنعونه سكراً ، والصحراء يقلبُونها واحة ، إن اصطدمت مشاريعهم بعقبة تحولوا لعقارب فتَّاكة ، تلدغ الاخ والصديق ، الصغير والكبير ، لاسدَّ يقف في وجوههم ولاعقيدة تمنعهم ، الطمع ماؤهم وشرابهم نهاراً ، أما النوم فلا سلطة لهم عليه ، الطيور تنقر أعينهم لتقتص منهم ، مقصلة الله تلف أعناقهم ، شبح الموت الأبيض يسقطهم من أحلامهم ، والمصيبة أنهم يحلفون على كتاب الله ظلماً وبهتاناً ثم يعيدون الكرَّة ، عُبَّاد المال غافلون لايتعظُّون إلا عندما تأتيهم الصعقة
نصوص  الكاتبة (سمرا عنجريني)  حيث أن كل نص  ينبثق من واقع مطوّق بالحرائق لكنه ينقلب ضد هذا الواقع ويواجهه بحرائق الخواطروهو نص يشير إلى كاتبة محاصرة بالأنحطاط والترهل والتراخي الروحي  كاتبة منهكة ومتعبة نفسيا وماديا بفعل وتأثير وبطش خرائب  الغربة والنص وإن كان معنيا بتجربة تتناول وضعا داخليا في جسد المجتمع العربي الجريح والمدمى بسيوف وسهام  الغربة والتفتت والرحيل  وسياسات هوجاء مسمومة  فإن هذه التجربة إفصاح عن حصارروحي أشمل في الخارج  وإحالة إلى حصاروغربة  أعم هذا ماجعل كتاباتها تشف عن تعدد ياخذ مظاهر كثيرة تعدد في المقومات السردية  لتلك الخواطر وتعدد في الشخصيات ورؤياتها للعالم الذي تتحرك فيه وكأن الكاتبة سمرا عنجريني لاتكف عن نقل خبرتها الجمالية المتنوعة الى النص السردي في متن خواطرها حتى يوفر لها النفس الملائم للتعبير عن الاسئلة الضاغطة والانشغالات الملتحمة بسياق المرحلة وبعض خواطرها ترتبط وبشدة بالواقع اليومي للشخصيات وماتكابده من مظاهر الألم والقسوة في مجال أجتماعي يفقدها نقاط الأرتكاز ولايوفرمساحة لابراز مواهبها وانشغالاتها لها
يتبع  لطفا   الجزء الثاني

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة مملكة الحب //بقلم محمد الطائي